[B]
قَبل أيَّام، كُنَّا في جَلسة مَاتعة مَع أحَد الأصدقَاء؛ الرَّاسخين في عِلْم المُوسيقَى والأصوَات، وأخذنَا -أنَا وهو- نَتجَاذَب أطرَاف الأغَاني والمَقَامَات، والألحَان والأصوَات، ثُمَّ فَجأة خَطر في بَالي أن أُدَاعبه؛ عَلى طَريقتي العَرفجيّة السَّاخرة، فقلتُ لَه: ألا تَرَى يا صديقي أنَّ الصَّوت المُوسيقي الذي يَنطلق مِن حَنجرة الحِمَار؛ يُعتبر صَوتاً مُوسيقيًّا بَديعاً، وإن كَانت الأُذن البَشريّة لا تَستسيغه، لأنَّ هَذا الصَّوت أصلاً لَم يَكن مُوجَّهاً إلى الأُذن الآدميّة، وإنَّما هو مُوجَّه لآذَان الحمير، التي تَستوعب الأصوَات النَّاعمة، والأصوَات مَا فَوق النَّاعمة..؟!
حِينها ضَحك صَديقي وقَال: ولَكن أنتَ تَعرف يَا أحمد أنَّ القُرآن الكَريم يَقول: (إنَّ أنكَر الأصوَات لصَوت الحمير)..!
كُنتُ أعرف مُسبقاً أنَّ صاحبي سيَردُّ بهَذا الرَّد، لذَلك كُنتُ مُتسلِّحاً بالحُجَّة؛ التي سَاقها الأستاذ الكبير "حمزة شحاتة" في كِتَابه البَديع: "حِمار حمزة شحاتة"، حَيثُ يَقول فيه: (وصَوت الحِمَار مِن أنكَر الأصوَات، مَا ننفي هَذا، أو هو أنكَرها.. إن كُنَّا نَعتبر النّعومة والاعتدَال كُلّ مُقوِّمَات الصَّوت الحَسَن، أمَّا إن جرينا في نَقدِ الأصوَات عَلى النَّهج المِصري الجَديد، الذي لا يُدين إلَّا للمَقدرة الفَنيّة في التَّأليف والتَّوزيع، وأحكَام النِّسب وتَحريرها.. وإنكَار النّعومة واعتبَارها أُنوثة؛ لا تَليق بفَن إنسَاني يَقود الأفكَار والعَواطِف، والمَشَاعر كالغِنَاء، كَان الحِمار مَعدوداً في طَليعة المُوسيقيين المَوهوبين)..!
أمَّا عَن حريّة إصدَار الأصوَات عِند الحِمار، فيَقول الأستاذ "شحاتة": (وقَد يَخطر لحِمار أن يَرفع عَقيرته مُغنياً ليُطرب أمثَاله.. فيَضحك النَّاس ويُمطرونه وَابلاً مِن الشَّتائم والازدرَاء.. وفي هَذا حَجرٌ لا شَك فِيه عَلى الحريّة الشَّخصيّة؛ كَان مِن الوَاجِب أن يَتنزَّه عَنه الإنسَان تَسامياً بذَاته، ومَاذا بَقي للحِمار مِن الحقُوق إن حُرِمَ الحُريّة في استعمَال هَذا الحَق؟)..!
أمَّا عَن آدَاب الحِمار في النَّهيق فيَقول "شحاتة": (والحِمار أرقُّ ذَوقاً في هَذا، فمَا يُفاجئ النَّاس -أعني الحِمار- بالغنَاء إلَّا عِندَما يَكون المَجال مُهيأً لمِثل هَذه المُفاجأة، أو تَكون المُنَاسبة مِن دَواعيه..!
ولَكن الإنسَان يُدندن حَيثما اتّفق لَه أن يَفعل، ويَكفي أن تَتهيّأ لَه دَواعِ مِن نَفسه، أو مِن خيَاله المَريض.. حتَّى يَندفع في ذَلك الهوَاء؛ غَير عَابئ بمَا يَصبّه عَلى رُؤوس النَّاس مِن هَولٍ وألَم)..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: بَعد هَذه المُقابسَات بَيني وبَين صَديقي المُوسِيقِي، جَلجل بضَحكاتٍ سَمعتُ بَين ثَنايَاها أصوَات السّعادة ومَقَامَات الانقسَام؛ مِن أفكَار أُستاذنا الكبير "حمزة شحاتة" وإبدَاعَاته، الذي يَتكلَّم عَن المُوسيقَى وكَأنَّه مِن كِبَار أهلها.. (والحِمَار إذَا غنَّى، "أي إذا نهق" لا يَقول شِعراً، ولا يُردِّد كَلاماً، فهو في مَأمن مِن اللَّحن والتَّكسير، وتَقبيح الألفَاظ والمعَاني، ومَسخها وتَشويهها، والإنسَان عَلى عَكس ذَلك، يَجمع عَلى السَّامع مُصابين ويُغنِّيه بحَماقتين.. ومَا لَنا نُقارن بَين الإنسَان والحِمَار، وهي مُقارنة لا يَرضَاها كِلاهما -عَلى مَا نَعتقد-)..!!!
[COLOR=#2F0CE9]تويتر: Arfaj1
[email]Arfaj555@yahoo.com[/email][/B][/COLOR]
[COLOR=#1B055E]صحيفة المدينه السعوديه[/COLOR]