ضمن ضيوف الرحمن الذين يأتون لأداء مناسك الحج شخصيات اعتبارية من جميع أنحاء العالم، وهم في حالة لا تختلف عن أي ضيف أو حاج آخر، فالمعادلة قائمة على تساو كامل في كل شيء أمام الله إلا العمل الصالح الذي يتمايز به المتنافسون، ولكنني توقفت للحقيقة عند وفادة مديرة شرطة أوكلاند بنيوزيلندا نائلة حسن، التي أدت فريضة الحج لهذا العام ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، خاصة وأنها جاءت عقب نكسة إرهابية عنيفة في بلدها ضد مسلمين في بيت من بيوت الله.
السيدة نائلة بمثابة حلقة وصل بين حقيقة ما عليه ديننا من سلام وتسامح ومحبة ورحمة وتراحم، وأولئك الذين لديهم صورة قاتمة وقبيحة عن الإسلام والمسلمين، كانت نتيجتها كثيرا من الدماء ومشاعر الكراهية القائمة على جهل بحقيقة ما عليه هذا الدين في جميع مذاهبه التي تنتهي إلى كلمة سواء، غير أنها متفرقة بسبب التشاحن والتباغض والعنصرية البغيضة.
السيدة نائلة وجدت ما أدهشها من تنظيم يفوق الوصف، في جميع المجالات الطبية والأمنية والتنظيمية، والذي أثبتت المملكة من خلاله للعالم أجمع قدرتها على القيام بخدمة ضيوف الرحمن بكل اقتدار وعلى الوجه الأكمل، غير أن اللافت والمهم في حديثها ما ذكرته عن دور السعودية في مكافحة الإرهاب، حيث ذكرت أن المملكة تعتبر من أوائل الدول تصديا للإرهاب على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. ومشكلة الإرهاب تتطلب تعاونا دوليا للحد منه، وهذا ما قامت به المملكة من خلال تعاونها الدولي مع عدد من الدول، كما أن لها جهودا وخبرات سابقة في مكافحته والحد منه.
من رأى ليس كمن سمع، وما رأته السيدة نائلة ينتقل بها إلى بلادها وثقافتها حيث يمكنها أن تعكس هذا الاستخلاص في وسطها الوطني والمجتمعي لتعزيز سماحة الإسلام ودور السعودية الثابت والمنهجي في محاربة أشكال التطرف، خاصة وأنها قيادة أمنية لها وزنها، ما يجعلها تفتح مساحات واسعة للتواصل الدولي في مكافحة الإرهاب والعنصرية الدينية، فكما تضررت بلادها منها كذلك تضررت المملكة وهي التي بادرت إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وجعله بوصلة أو مركزا لتنسيق عمليات المتابعة والمكافحة.
فوائد الحج عديدة، وحين نجد انطباعات وقناعات متقدمة مثل هذه التي قدمتها السيدة نائلة بصفتها الاعتبارية، فذلك مكسب ينبغي الحرص على الحصول عليه لكل زائر لبلادنا، لأن السلام بالفعل ينطلق من هنا إلى كل الدنيا، وإذا كانت بلادنا تعرف بأنها مملكة الإنسانية فهي أيضا مملكة السلام العالمي وبؤرته، سواء كان ذلك من خلال منهجها السلمي القائم على سماحة الدين وتسامح شعبها، أم أدوارها الأمنية الرائدة في مكافحة الإرهاب والإرهابيين، وشاهد ذلك قتال المملكة لكل إرهابي دون هوادة وتحقيق انتصارات كاسحة في هذا المجال.
المملكة والسلام عنوان عريض لعلاقة مفاهيمية راسخة، فليس سهلا أن يوجد أكبر حشد عالمي على مدى أيام يؤدون مناسكهم بكل أمن وسلام وتواصل، في بلد يبذل الغالي والنفيس من أجل سلامة هؤلاء الضيوف ثم لا نخرج بقناعة راسخة حول العلاقة المتينة بين السعودية والسلام، تلك هي الرسالة التي نتطلع أن يصل إليها العالم بأسره، لأنها الحقيقة الجوهرية على مدى الزمن، فبلادنا وإن كانت مهبط الوحي فهي إشعاع السلام والأحرص عليه، وستظل في مقدمة دول المنظومة البشرية بأسرها في كل ما يجعل هذا العالم آمنا وسلميا ومتسامحا دون تفرقة أو تمايز في أديانه وأعراقه، فالإنسانية تستوعب كل ما هو جميل في السلوك والصفات.
صحيفة اليوم السعودية