يستلهم مهرجان “الساحل الشرقي” بالمنطقة الشرقية تاريخ البيوت التقليدية والقديمة المبنية من الطين والجص الحجري، والصخر البحري، خصوصا على السواحل، التي اشتهرت بها المنطقة منذ عقود كانت قبل طفرة النفط، حيث صممت جدرانها وأجنحتها بحسب مساحات مناسبة تحاكي عبق الماضي والطراز العمراني القديم .
وتحظى المنطقة الشرقية بمخزون معماري وعمراني ثري وصفه الباحثون في المجال العمراني بـ” البسيط ” و” الجميل” من خلال أبنيته وطرازاته وفنونه ونقوشه المتنوعة، إضافة إلى منمنماته وزخرفته بالألوان الباهرة ذات الطابع الإسلامي ، ولعل ما يميز المنطقة محاذاتها للساحل، وغنائها بالتراث بأنواعه، الذي انعكس على نمط الحياة سابقاً، من خلال البيوت، والمنازل والمحلات .
وفي ذلك السياق يوضح الباحث في التراث العمراني عبدالله الشايب، أن الحفاظ على التراث العمراني وإعادته، سواء في بنائه واستلهام بعض أجزاءه للسكنى، وبعض المحلات ذات النشاطات المختلفة، أو حضور هذا التراث العمراني في الفعاليات والأنشطة من خلال المهرجانات دليل على ارتباط الناس بهذا المكون الذي يعد جزءً من ثقافة الأمة والمجتمع، وأيضا على حكاية تجربتها العمرانية وما وصل إليه الفكر المعماري من ناحية هندسة البناء، ومراحل تطوره .
من جهته ربط الباحث في التراث العمراني المهندس جلال الهارون خصائص التراث العمراني التقليدي في المنطقة الشرقية من خلال تأثره بالنسيج العمراني القديم في المنطقة المتأثر بظروف البيئة، وطبيعة الحياة السائدة، فجاء نمو المساحات العمرانية استجابة لاحتياجات وإمكانات وتطلعات سكانها، إذ كانت احتياجاتهم الأساسية محدودة، وتطلعاتهم متوافقة مع العادات والتقاليد الإسلامية، كما كان الشكل العمراني كان مقيداً بأساليب البناء البسيطة ومواد البناء المحلية .
وأشار الهارون إلى أن الفراغات العامة والخاصة نسقاً متبعاً في البيئة العمرانية التقليدية يجتمع بعضها مع بعض، وتصب في متنفس لمجموعة من البيوت، وهي عشوائية التوزيع وبعضها الأخر يصب في الشوارع الخارجية فحسب، ويعد المسجد العنصر المعماري البارز والتخطيطي الجاذب في النسيج العمراني التقليدي يبلور حوله التكوين الطبيعي للبلدة، حيث تنطلق منه الممرات الضيقة والممرات المتعرجة لاعتبارات مناخية ودفاعية وبيئية، وتربط هذه الممرات المسجد بالمساكن التي تمتاز بالخصوصية لساكنيها، وتتدرج هذه الممرات في اتساعها من الضيق الذي لا يكاد يتسع لمرور فرد واحد إلى عرض أربعة أمتار أغلبها مسدود في نهايته، فيما ينتهي بعضها ببراحة للقاءات الناس ولعب ولهو الأطفال، وأحيانا تكون الممرات مسقوفة وهو ما يعرف بـ ” الساباط ” وهو مميز في البيئات العمرانية التقليدية .
ويظهر تأثير العامل المناخي والبيئي في التصميم العام للمباني بالمنطقة الشرقية حيث ساعد ذلك في ظهور نسيج عمراني متلاصق ومتقارب جدا ليحمي بعضها بعض من أشعة الشمس والعواصف الترابية، وهي مكونة من دور أو دورين وكانت تتميز ببساطتها وسمك حوائطها واستخدمت المواد المحلية كالطين والحجر والجبس (الجص) في البناء وجذوع النخل للسقوف ، وقد كانت النوافذ صغيرة وقليلة في بعض المناطق القريبة من الصحراء ، أما في الساحل فقد كانت كبيرة وعديدة ، كما أدى قرب المنطقة من الحضارات السابقة وتفاعلها معها إلى إثرائها عمرانيا وتنوع الأشكال العمرانية التقليدية بها.
و توجد هناك أنواع مختلفة من الأنماط التخطيطية للمستوطنات في المنطقة تختلف في مواصفاتها حسب موقعها ، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي النسيج العمراني الساحلي ، ويشمل المستوطنات التي تطل مباشرة على ساحل الخليج العربي مثل الدمام ودارين والجبيل ، والقسم الثاني النسيج العمراني الصحراوي ويشمل المستوطنات المتاخمة للصحراء خاصة تلك القريبة من الربع الخالي والصمان وحفر الباطن، أما القسم الثالث فقد ارتبط بالأرض الزراعية ارتباطا وثيقا وقد نتج عنه نسيج عمراني يعرف بمنطقة الواحات نظرا لإحاطته بمزارع النخيل مثل القطيف وتاروت والاحتساء ، ونتيجة لاختلاف مناطق نشأة هذه المستوطنات فقد اختلف بعض عناصر النسيج العمراني فيما بينهما لكنها مع ذلك ظلت تحمل الكثير من العوامل والعناصر العمرانية المشتركة.
وأبان الهارون ، أن المبنى السكني يتميز من خلال تصميم المباني التقليدية في المنطقة الشرقية ، بتكوينه من ثلاثة أجزاء رئيسة، الأول مخصص للضيوف، ويضم المجلس ، والحمام ، ومكان للغسيل ، وعادة يكون هذا الجزء من خامات البناء الجيدة ، ويكون غني بالزخارف ، ويوضع المجلس على الطرقات الرئيسة عادة ، أو على فناء خاص بقسم الضيوف ، والثاني مخصص للعائلة ويضم غرف النوم، والحمامات ، والمطبخ ، ومستودع الأرزاق ، وفناء داخليا خاصا بالعائلة ، يكون معزولا عن الأنظار ، وغالبا ما تكون خامات البناء المستعملة به أقل درجة من الخامات المستعملة في الجزء المخصص للضيوف ، والجزء الثالث عبارة عن حوش مفتوح مخصص للبهائم متصل بالبيت عن طريق باب وربما هناك جزء مظلل قريب من المطبخ في معظم الأحيان.
أما مواد البناء المستخدمة فقد كانت في الماضي مستخرجة من مواد محلية كالطين والجص الحجري والنورة والصخر البحري (الفروش) والرماد.وكان التأكيد في الوحدة السكنية دائما على الخلوة العالية ، وكان في استطاعة النساء أن يراقبن الحياة العامة حتى الاشتراك فيها بشروط معينة ، وكانت مساحة المجلس رمزا لمركز الأسرة الاجتماعي ، وكانت تستعمل للاستجمام والترفيه ولتعليم الدين وبحث الأمور الحياتية.
وكثير ما كانت أرضية المجلس تقسم إلى مستويين ، أولهما يدخله المرء ويخلع نعليه فيه ، والآخر وهو الأعلى للجلوس ، وكان المجلس يبنى أحيانا فوق السطح ويعد له درج خاص ويسمى (البنقلة) وفي مساكن الأغنياء كان يخصص مبنى مستقل للرجال وأخر للنساء ، وكان المسكن يشمل أحيانا فناءين احدهما للضيوف ، والآخر لحياة الأسرة الخاصة .
ولقد اخذ تصميم المباني السكنية الخاصة والعامة بالاعتبار الحالة الاقتصادية للمجتمع وللفرد والتقاليد والعادات والعلاقات والروابط بين الناس، ولهذا جاء التصميم نتاجا لعدة عوامل أثرت في الشكل المعماري حيث روعيت الخصوصية في المنزل بتقسيمه إلى أماكن مخصصة للرجال وأخرى للنساء . كما روعي أن يكون هناك فناء داخلي تطل الفتحات والنوافذ عليه وبذلك تقل الفتحات المطلة على الخارج.