تماثل الفنان التشكيلي طه صبان للشفاء بعد إجرائه عملية جراحية أخيرا، واندفع مجددا لإكمال إسهاماته لأكثر من نصف قرن في إثراء الحركة التشكيلية السعودية، باعتباره واحداً من الرعيل الثاني لفناني المملكة، كان أكثرهم حضوراً، ما أهله ليكون خير خلف لخير سلف من الرعيل الأول.
صبان فور مغادرته المستشفى انخرط في المشروع الكبير الذي أعلنه أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل،عن جماليات شوارع وميادين مدينة جدة، باجتماعات متعددة بين أمين محافظة جدة، وأعضاء اللجنة الفنية التي ضمت الفنانين “طه صبان، وعبدالرحمن مغربي، وداليا موسى والعنود الشيبي والمهندس أحمد عنقاوي.
الارتقاء بوعي المجتمعات
يعتبر طه صبان واحدا من أوائل الفنانين الذين أسهموا في تجميل المدينة، وأنتجوا جداريات في ميادين جدة، ومن أشهرها جدارية “الخالدية” أمام الخطوط السعودية، والجدارية الأخرى التي أزيلت، حيث كان موقعها تحت “الكوبري المربع” في الروضة. صبان قال لـ”الوطن”: في هذا السياق عقدنا اجتماعا مع أمين جدة، وستتواصل اجتماعاتنا، لوضع التصور النهائي للمشروع، وربما يتم ذلك خلال الأسبوعين المقبلين، وإن كانت جدارية حي الروضة قد أزيلت، فأنا متفائل بالأيام المقبلة، وقد لمست صدق الرغبة الحقيقية لدى أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل في تقديم صورة تكتظ بالجماليات لشوارع جدة، وإذا كان تنفيذ الجداريات ليس بالعمل البسيط، إلا أن حماس الفنانين وعشقهم لمدينتهم، سييسر الأمور، في حالة منح الفنانين أماكن ومواقع ممتازة، لا يمكن أن تزال بعد فترة، لتبقى معلما جماليا مضيئا لشوارع المدينة، كأحد متطلبات التنمية، والحضارة، فالفن والذائقة البصرية عاملان مهما وحيويان في مسيرة تطور المجتمعات وتقدم الشعوب، والارتقاء بوعيها الجمالي وحسها الفني، ما ينعكس على إبداعها ومسيرتها التنموية.
قدسية المكان تستلهم أعمال الفنان
الحنين الجارف لعبق الماضي يمثل لدى صبان «نستولوجيا» فريدة في تكوينها لأعماله وواقعاً حياتياً لا يُنسى، وتقدم سنى عمره، في مشاهد روحانية تستدعي معها ذكرياته في مكة المكرمة بما تحويه من قدسية الحرم المكي، بما يمثله المكان من رغبة ورهبة وإجلال، فالأحداث شكلت معها وعياً جمعياً لديه مع جيله ونشأته الأولى بين دروب وأزقة وأسواق مكة مع حركة ضيوف الرحمن، فالفنان ابن بيئته، وأهمية المكان في العمل التشكيلي هو غاية في حد ذاته، هو فضاء العمل الذي يصيغ العلاقة بين العناصر المختلفة، وهو الحيز الذي تتوحد فيه هذه العلاقة بشكل خلاق،حسب رؤية الفنان والمذهب الفني الذي يعتنقه .
الجوانب الإنسانية لتجربته
يقول شاعر الرومانسية الألماني«شيللر»: يكون الإنسان إنساناً عندما يلعب واللاعبون الأمهر في هذه الحياة هم الفنانون لأنهم يمتلكون القدرة على تحويل العالم إلى براءته الأولى) .. هكذا طه صبان، لاعب ماهر في الساحة التشكيلية يجيد فن التعامل مع الحياة بأشكالها.
بعد أن فلح في فرض الإقامة الجبرية على الغموض في العديد من أعماله، وبرع في التصالح مع بيئته الحاضنة وتراثه التليد الضارب في أعماق التاريخ ، فلقد كسر القاعدة الاقتصادية الشهيرة التي صاغها «آدم سميث Adem Smith» أبو الاقتصاد الحديث في نظريته الشهيرة «المنفعة الحدية أو المنفعة النهائية Marginal utility» والتي تنص على أنها منفعة الوحدة الأخيرة، بحيث يمتنع الشخص عند الوصول إليها عن طلب وحدات إضافية جديدة، إما لأن المنفعة منها تنعدم، أو لأنه يفضل أن يشبع حاجات جديدة. وبالتالي أصبحت أعماله زاداً يومياً للمتلقي.
ناقد وفنان تشكيلي
طلعت عبد العزيز عبد العال